سورة الفرقان - تفسير تفسير ابن الجوزي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الفرقان)


        


قوله تعالى: {وقال الذين لا يَرْجُون لقاءنا} أي: لا يخافون البعث {لولا} أي: هلاّ {أُنْزِلَ علينا الملائكةُ} فكانوا رُسلاً إِلينا وأخبرونا بصدقك، {أو نَرى ربَّنا} فيخبرنا أنَّكَ رسوله، {لقد استكبَروا في أنفسهم} أي: تكبَّروا حين سألوا هذه الآيات {وعَتَواْ عُتُوّاً كبيراً} قال الزجاج: العُتُوُّ في اللغة: مجاوزة القَدْرِ في الظُّلم.
قوله تعالى: {يومَ يَرَوْنَ الملائكةَ} فيه قولان:
أحدهما: عند الموت.
والثاني: يوم القيامة.
قال الزجاج: وانتصب اليوم على معنى: لا بشرى للمجرمين يوم يرون الملائكة، و{يومَئِذٍ} مؤكِّد ل {يومَ يَرَوْنَ الملائكةَ}؛ والمعنى: أنهم يُمنَعون البُشرى في ذلك اليوم؛ ويجوز أن يكون {يومَ} منصوباً على معنى: اذكر يوم يرون الملائكة، ثم أخبر فقال: {لا بُشرى}، والمجرمون هاهنا: الكفار.
قوله تعالى: {ويقولون حِجْراً مَحْجُوراً} وقرأ قتادة، والضحاك، ومعاذ القارئ: {حُجْراً} بضم الحاء. قال الزجاج: وأصل الحجْر في اللغة: ما حجرتَ عليه، أي: منعتَ من ان يُوصَل إِليه، ومنه حَجْر القضاة على الأيتام.
وفي القائلين لهذا قولان:
أحدهما: أنهم الملائكة يقولون للكفار: حِجْراً محجوراً، أي: حراماً محرّماً. وفيما حرَّموه عليهم قولان:
أحدهما: البُشرى، فالمعنى: حرام محرَّم أن تكون لكم البشرى، قاله الضحاك، والفراء، وابن قتيبة، والزجاج.
والثاني: أن تدخلوا الجنة، قاله مجاهد.
والثاني: أنه قول المشركين إِذا عاينوا العذاب، ومعناه: الاستعاذة من الملائكة، روي عن مجاهد أيضاً. وقال ابن فارس: كان الرَّجل إِذا لقيَ مَن يخافه في الشهر الحرام، قال: حِجْراً، أي: حرام عليكَ أذايَ، فاذا رأى المشركون الملائكة يوم القيامة، قالوا: حِجْراً محجوراً، يظنُّون أنه ينفعهم كما كان ينفعهم في الدنيا.
قوله تعالى: {وقَدِمْنَا} قال ابن قتيبه: أي: قَصَدْنا وعَمَدْنا، والأصل أنَّ من اراد القُدوم إِلى موضع عَمَد له وقصده.
قوله تعالى: {إِلى ما عَمِلُوا من عمل} أي من أعمال الخير {فجعلناه هَبَاءً} لأن العمل لا يُتقبَّل مع الشِّرك.
وفي الهباء خمسة أقوال.
أحدها: أنه ما رأيتَه يتطاير في الشمس التي تدخل من الكوَّة مثل الغبار، قاله عليّ عليه السلام، والحسن، ومجاهد، وسعيد بن جبير، وعكرمة، واللغويون؛ والمعنى أنَّ الله أحبط أعمالهم حتى صارت بمنزلة الهباء.
والثاني: أنه الماء المُهراق، رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس.
والثالث: أنه ما تنسفه الرياح وتذريه من التراب وحطام الشجر، رواه عطاء الخراساني عن ابن عباس.
والرابع: أنه الشَّرر الذي يطير من النار إِذا أُضرمت، فاذا وقع لم يكن شيئاً، رواه عطيَّة عن ابن عباس.
والخامس: أنه ما يسطع من حوافر الدَّواب، قاله مقاتل. والمنثور: المتفرِّق.
قوله تعالى: {أصحابُ الجَنَّة يومَئذ} أي: يوم القيامة، {خيرٌ مُسْتَقَرّاً} أفضل منزلاً من المشركين {وأحسن مَقيلاً} قال الزجاج: المَقيل: المُقام وقت القائلة، وهو النوم نصف النهار. وقال الأزهري: القيلولة عند العرب: الاستراحة نصف النهار إِذا اشتد الحرّ وإِن لم يكن مع ذلك نوم. وقال ابن مسعود، وابن عباس: لا ينتصف النهار من يوم القيامة حتى يَقِيل أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار.


قوله تعالى: {ويَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماء بالغَمَام ونُزِّلَ الملائكةُ تنزيلاً} هذا معطوف على قوله: {يوم يرون الملائكة}، وقرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر: {تَشَّقَّقُ} بالتشديد، فأدغموا التاء فى الشين، لأن الأصل تتشقق. قال الفراء: المعنى: تتشقق السماء عن الغمام، وتنزل فيه الملائكة، وعلى وعن والباء في هذا الموضع بمعنى واحد، لأن العرب تقول: رميت عن القوس، وبالقوس، وعلى القوس، والمعنى واحد. وقال أبو علي الفارسي: المعنى: تتشقَّقُ السماء وعليها غمام، كما تقول: ركب الأمير بسلاحه، وخرج بثيابه، وإِنما تتشقَّق السماء لنزول الملائكة. قال ابن عباس: تتشقق السماء عن الغمام، وهو الغيم الأبيض، وتنزل الملائكة في الغمام. وقال مقاتل: المراد بالسماء: السماوات، تتشقق عن الغمام، وهو غمام أبيض كهيئة الضَّباب، فتنزل الملائكة عند انشقاقها. وقرأ ابن كثير: {ونُنْزِلُ} بنونين، الأولى مضمومة، والثانية ساكنة، واللام مضمومة، و{الملائكةَ} نصباً. وقرأ عاصم الجحدري، وأبو عمران الجوني: {ونَزَّلَ} بنون واحدة مفتوحة ونصب الزاي وتشديدها وفتح اللام ونصب {الملائكةَ}. وقرأ ابن يعمر: {ونَزَلَ} بفتح النون واللام والزاي والتخفيف {الملائكةُ} بالرفع.
قوله تعالى: {المُلْكُ يَوْمَئِذٍ الحَقُّ للرَّحمن} قال الزجاج: المعنى: المُلْك الذي هو المُلْك حقّاً للرحمن. فأما العسير، فهو الصعب الشديد يشتد على الكفار، ويهون على المؤمنين فيكون كمقدار صلاة مكتوبة.
قوله تعالى: {ويَوْمَ يَعَضُّ الظالمُ على يديه} في سبب نزولها ثلاثة أقوال.
أحدها: أن أُبيَّ بن خَلَف كان يحضر عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ويجالسه من غير أن يؤمن به، فزجره عُقبة بن أبي مُعَيط عن ذلك، فنزلت هذه الآية، رواه عطاء الخراساني عن ابن عباس.
والثاني: أن عُقبة دعا قوماً فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم لطعام فأكلوا، وأبى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأكل، وقال «لا آكل حتى تَشهد أن لا إِله إِلا الله وأنِّي رسولُ الله»، فشهد بذلك عقبة، فبلغ ذلك أُبيَّ بن خَلَف، وكان خليلاً له، فقال: صبوت يا عقبة؟ فقال: لا والله، ولكنه أبى أن يأكل حتى قلت ذلك، وليس من نفسي، فنزلت هذه الآية، قاله مجاهد.
والثالث: أن عُقبة كان خليلاً لأُميَّة بن خَلَف، فأسلم عُقبة، فقال أُمية: وجهي من وجهك حرام إِن تابعتَ محمداً، فكفر وارتدَّ لرضى أُميَّة، فنزلت هذه الآية، قاله الشعبي.
فأما الظالم المذكور هاهنا، فهو الكافر، وفيه قولان:
أحدهما: أنه أُبيُّ بن خَلَف، رواه العوفي عن ابن عباس.
والثاني: عُقبة بن أبي مُعَيط، قاله مجاهد، وسعيد بن جبير، وقتادة. قال عطاء: يأكل يديه حتى تذهبا إِلى المرفقين، ثم تنبتان، فلا يزال هكذا كلَّما نبتت يده أكلها ندامة على ما فعل.
قوله تعالى: {يا ليتني اتَّخَذْتُ} الأكثرون يسكِّنون {يا ليتني}، وأبو عمرو يحرِّكها؛ قال أبو علي: والأصل التحريك، لأنها بازاء الكاف التي للخطاب، إِلا أن حرف اللِّين تكره فيه الحركة، ولذلك أسكن من أسكن؛ والمعنى: ليتني اتَّبعتُه فاتَّخذتُ معه طريقاً إلى الهُدى.
قوله تعالى: {ليتني لم أتَّخِذ فلاناً} في المشار إِليه أربعة أقوال.
أحدها: أنه عنى أُبيَّ بن خَلَف، قاله ابن عباس.
والثاني: عقبة بن أبي مُعَيط، قاله أبو مالك.
والثالث: الشيطان، قاله مجاهد.
والرابع: أُميَّة ابن خَلَف، قاله السدي.
فان قيل: إِنما يكنى من يخاف المبادأة أو يحتاج إِلى المُداجاة، فما وجه الكناية؟
فالجواب: أنه أراد بالظالم: كلَّ ظالم، وأراد بفلان: كلَّ من أُطيع في معصية وأُرضي بسخط الله، وإِن كانت الآية نزلت في شخص، قاله ابن قتيبة. قوله تعالى: {لقد أضلَّني عن الذِكْر} أي: صرفني عن القرآن والإِيمان به {بعد إِذ جاءني} مع الرسول، وهاهنا تم الكلام. ثم قال الله تعالى: {وكان الشَّيطان للانسان} يعني: الكافر {خَذُولاً} يتبرأ منه في الآخرة.


قوله تعالى: {وقال الرسول} يعني محمداً صلى الله عليه وسلم، وهذا عند كثير من العلماء أنه يقوله يوم القيامة؛ فالمعنى: ويقول الرسول يومئذ. وذهب آخرون، منهم مقاتل، إِلى أن الرسول قال ذلك شاكياً من قومه إِلى الله تعالى، حين كذَّبوه. وقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو: {إِن قوميَ اتخذوا} بتحريك الياء؛ وأسكنها عاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي.
وفي المراد بقوله: {مهجوراً} قولان:
أحدهما: متروكاً لا يلتفتون إِليه ولا يؤمنون به، وهذا معنى قول ابن عباس، ومقاتل.
والثاني: هجَروا فيه، أي: جعلوه كالهذَيان، ومنه يقال: فلان يَهْجُر في منامه، أي: يَهْذِي، قاله ابن قتيبة. وقال الزجاج: الهُجْر: ما لا يُنتفع به من القول. قال المفسرون: فعزّاه الله عز وجل، فقال: {وكذلك جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيّ عَدُوّاً} أي: كما جعلنا لك أعداءً من مشركي قومك، جعلنا لكلِّ نبيّ عدوّاً من كفّار قومه؛ والمعنى: لا يَكْبُرَنَّ هذا عليك، فلك بالأنبياء أُسوة، {وكفى بربِّك هادياً ونصيراً} يمنعك من عدوِك. قال الزجاج: والباء في قوله: {بربِّكَ} زائدة؛ فالمعنى: كفى ربُّك هادياً ونصيراً.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7